مستشفى المقاصد في عين العاصفة |
|
|
تقرير إخباري بعنوان : “مستشفى المقاصد والقدس عاصمة الدولة الفلسطينية القادمة” :
<< طرح موضوع مستشفى المقاصد والأزمة التي يمر بها وعلى صفحات الصحف مـسألة لا تحتاج الى اي تأويل فهذا الطرح قطعا ليس بهدف الاحتجاج او “دب الصوت ،” فهو بعيد كل البعد عـن .ذلك هذا الطرح قد يساعد على فهم ما يدور ويعزز سياسات عنوانهـا فلـسطين ، القـدس ، الـسلطة الوطنية، الدولة القادمة، مؤسسات القدس، وفي اطار كل ذلك مستشفى المقاصد ومستشفيات القـدس الاخرى، وهذا ما تحاوله هذه المقالة .
وأما لماذا هذا العنوان الذي يربط ما بين مسألة مستشفى المقاصد ومسألة القدس، فالكل يعلـم ان مستشفى المقاصد يقع في قلب القدس ويطل على اسوارها وعلى اقصاها وعلى قيامتها؟ وان القدس “شاء من شاء وابى من ابى” هي العاصمة الابدية لدولة فلسطين القادمة، والكل يعلم ايضا ان قدرنا ان نبني ونحن تحت الاحتلال لنثبت للعالم اننا اهل لدولة تقوم بانصرافه، ومستشفى المقاصد هو احد بنـى هذه العاصمة، ومن الطبيعي ان نحافظ على بنيانه، بل وان نطوره ولا ندعه ينهار، فانهيار المقاصد هو انهيار احد مرتكزات الوجود الفلسطيني في القدس
واما لماذا هذه المقالة الان، فذلك راجع الى وجـود ازمة تعصف بهذا المستشفى، خرجت الى العلن مرارا وتكرارا وباشكال متعددة وتحت عناوين مختلفة ، وفي كثير من الاحيان كانت متضاربة وفي بعضها الاخر كانت مشككة وموجعة، تصيب في بعض الاحيان وتقترب من لب الموضوع في حين، وفي احيان اخرى تسقط في غياهب اللا معلوم، لكن الاساس فـي هذا الامر ان هنالك ازمة وانه لابد من التعاطي معها بهدف حل لغزها والسير قدما لمحاولة انهائها من وجهة نظري، وقد يتفق او يختلف معي البعض في المقاصد او في خارجه، فان الإشكالية الأساسية في التعامل مع ازمة المقاصد هي اشكالية منهجية تتعلق في كون هذه الازمة ذات ابعاد متعددة ومتـشعبة ومتداخلة ولا يمكن ان تعالج من منظار واحد فقط، فهنالك البعد الطبي – العلمي – التعليمي الذي يقدمه مستشفى المقاصد ، وهنالك البعد الاقتصادي – الاجتماعي للدور الذي تلعبه هذه المؤسسة، وهنالك البعد الاداري – المالي وما يدور حوله من احاديث تتعلق بموضوعات ادارة الازمة في مواجهة استراتيجيات حل الازمة وما يصاحب ذلك من فرضيات تذهب الى الكلام عن الاخفاقات الادارية والاخفاقـات الماليـة وسوء الادارة وموضوعات فساد .
كل تلك الابعاد تصب في ازمة هذه المؤسسة التي من حسن ، وسوء طالعها في نفس الوقـت انها تقبع في القدس المحاطة باسوار الاحتلال العالية ، الموصدة ، والسياسات التفريغية القائمـة ، ممـا ٣ يعطي مسألة مستشفى المقاصد بعدها السياسي بامتياز وقبل ان نخوض في التفاصيل فلا يغيب عن البال ما للمقاصد وما عليه. اما ما له فسنبدأ به، واما ماعليه فسنصل اليه في نهاية هذا الرسالة .
في البعد الطبي العلمي التعليمي فالمقاصد هو مستشفى متعـدد الخـدمات وقـد قـدم للـوطن والمواطن الفلسطيني، وما زال يقدم، خدمات متميزة في مجالات عديدة، وقد حقق منذ تأسيـسه عـام ١٩٦٨، اي بعد الاحتلال بسنة واحدة فقط، تطورات متميزة في معظم مجالات العمل الطبي، ان ما يحدث في الواقع العملي من تطوير في طبيعة ومستوى خدماته خلال السنوات القليلة الماضية قد نقل اقسامه المختلفة، وبتفاوت ما، الى مجال الاختصاصات الفرعية المعمقة حيث لم تعد تسمية “الاقسام” تتناسـب وطبيعية العمل القائم، فقد اصبح يضم اختصاصات فرعية معمقة، وكمثال على ذلك وليس للحصر نأخذ احد اقسام المستشفى وهو قسم طب الاطفال الذي تطور من “قسم لطب الاطفال العام” ليصبح وعن جدارة مجمع لوحدات من الاختصاصات الفرعية المعمقة حيث يعمل به الان ١١ استشاري واختصاصي اطفال باختصاصات فرعية كاختصاصات امراض الجهاز الهضمي، وامراض الجهـاز التنفـسي، والا مـراض الوراثية والجينية، و امراض الاستقلاب (الايض ،) والغدد الصماء والـسكري ، و اعـصاب وعـضلات وتشنجات الاطفال، ليدعم عملهم بمخابر متقدمة كمختبر الوراثة الجينية، ومختبر الايض والاسـتقلاب ، ومختبر وظائف الدماغ والعضلات، ووحدة تنظير الجهاز الهضمي، ووحدة تنظير الجهاز التنفسي ووحدة العلاج المكثف.
الى جانب ذلك يقف قسم الخدج والذي يستقبل حالات الخداج باوزان ٤٥٠ غم فما فوق ويعمل به ٣ استشاريين فرعيين في الخدج . كذلك هنالك قسم جراحة قلب الاطفال والذي يعمل به اختصاصي فرعي في امراض القلب لـدى الاطفال حيث المكان الوحيد في فلسطين التي تجرى فيه عمليات القلب الجراحية المعقدة من قبل اطقـم عالمية تأتي تباعا الى المقاصد لاجراء هذه العمليات، تحضيرا لامتلاك القدرات البـشرية الفلـسطينية القادرة على القيام بهذا العمل المتقدم بشكل مستقل.
الى جانب ذلك هنالك جراحة الاطفال التي يعمل في اطارها استشاريان اثنان. وليعذرني الزملاء في الاقسام الاخرى في المستشفى ولضيق المجال في هذه المقالة لعدم سرد العمل الكبير الذي يقومون به وما احرزوه من تقدم ملموس وجذري في كافة اقسامهم الاخرى التي تقدم الخدمة الطبية للمرضى الى جانب الاقسام الداعمة لها من مخابر ووحدات للتشخيص وعمليات وطوارئ ووحدات الانعاش والعناية المكثفة.
اما في البعد العلمي – التعليمي فمستشفى المقاصد هو مستشفى تعليمي جامعي، حيث برنـامج الاقامة التخصصي الى جانب تدريب الاطباء الجدد في سنة الامتياز وكذلك التدريس السريري لطلبة كلية الطب – جامعة القدس، هذا عدا عن كلية التمريض التابعة له ان برنامج الاقامة التخصصي هو برنامج تدريبي لاعداد الاختصاصيين في سبعة مجالات تخصصيه هي اختـصاصات الباطنيـة ، و الاطفـال و، النسائية والتوليد، و الجراحة العامة، و جراحة العظام، و التخدير، والاشعة التشخيصية، حيث يتـدرب في هذا البرنامج حاليا ٨٠ طبيبا ولمدة ٤ سنوات ليتم سنويا تخريج نحو – ٢٠ ١٥ اختصاصيا جديدا ٤ ليصبحوا بعد اجتيازهم امتحان المجلس الطبي الفلسطيني اختصاصيين في مجالاتهم وليحل مكانهم سنويا نفس العدد من المتدربين .
منذ العام ١٩٨٨ وحتى الان تخرج من هذا المستـشفى – الجامعـة مـا يقـ ارب مـن ٢٩٠ اختصاصيا يعمل معظمهم في انحاء الوطن في الضفة وغزة والقدس، وتجدر الاشارة الـى ان معظـم المقيمين تحت التدريب الان هم من خريجي كليات الطب الفلسطينية
ان مستشفى المقاصد بكونه تعليميا جامعيا يختلف كل الاختلاف عن اي مستشفى يقتصر عمله على تقديم الخدمة الطبية سواء أكـان فـي القطاع العام ام في القطاع الخاص، حيث ان معظم الحالات التي يتم التعامل معها في المقاصد هي حالات معقدة تستلزم مهارات طبية عالية، وأيام إدخال طويلة، ومستلزمات تقنية متقدمة، ومخابر تشخيـصية مكلفة، اضافة الى المستلزمات الدوائية الخاصة .
ان الكلفة العالية للخدمة الطبية المقدمة في مستشفى تعليمي كالمقاصد تشكل في حد ذاتها احد اهم المعضلات المالية لهكذا مستشفيات، فمستشفيات القطاع الخاص لا تقحم نفسها في هكذا خـدمات طبية عالية الكلفة حيث تتجه اصلا الى الخدمات الاقل كلفة والاكثر ايرادا وهذا منطقي ان برنامج الاقامة التعليمي هذا ومتطلباته المالية تتجاوز قدرات المستشفى بأن يغطيها من خـلال مـردودات ادخـالات المرضى، فالتكلفة لهذا البرنامج تصل الى حدود ٢ مليون دولار سنويا من رواتب وتجهيزات وتأمينات ضد الاخطاء الطبية. اضافة الى ذلك فان المستشفى لا يتقاضى اي مستحقات مقابل توفير اقسامه للتعليم الطبي لطلبة كلية الطب في جامعة القدس، كذلك الامر بالنسبة لاطباء الامتياز الذين يتم تدريبهم لمـدة سنة كاملة في اقسام المستشفى الاساسية وبلا مقابل، بل انه يدفع لهم بدل مواصلات لمساعدتهم .
واذا اضفنا الى كل ذلك لائحة الاسعار المتدنية (غير الربحية) للخدمات المقدمـة مـن قبـل المقاصد باعتباره مؤسسة غير ربحية والتي هي وكما اسلفنا حالات معقدة في معظم الحالات وتتطلـب تقنيات واجراءات وأدوية علاجية متخصصة فان فاتورة المريض في معظم الاحيان لا تغطي سوى جزء يسير من الكلفة المترتبة على تقديم هذه الخدمة له من قبل المستشفى، والا كيف لنا ان نتقبل فكرة ان جزءا من العجز المالي للمستشفى، في ظل تشغيل عال، هو الناتج الطبيعي والمنطقي لهكذا قاعدة غير ربحية اما في البعد الاقتصادي الاجتماعي فالمستشفى يشغل المئات من الاطباء والممرضين والفنيـين المساعدين والاداريين ومعظم هؤلاء من مواطني الضفة والقطاع والقدس.
ان عدد الاطباء فـي هـذا الصرح التعليمي يصل الى نحو ١٣٠ طبيبا من استشاريين واختصاصيين ومقيمين ، هذا اضـافة الـى المئات من الممرضين والفنيين المساعدين والاداريين . ان هذا العدد الكبير من العاملين هو النتيجة العملية لكون مستـشفى المقاصـد لا يقـدم فقـط الخدمات الطبية، بل هو اضافة الى ذلك جامعة تضخ في البلاد سنويا العـشرات مـن الاختـصاصيين والممرضين والفنيين المساعدين المدربين والذين يشهد لهم مستواهم المتقدم في البعد السياسي فالقدس قضية سياسية بامتياز، فهي المعضلة وهي الحل، بكونها عنوان الدولة بلا نقاش عاصمة ابدية للشعب ٥ الفلسطيني، وهي تتآكل تحت الاحتلال والحصار وعليه فان الحفاظ على مؤسساتها ومن بينها مستشفى المقاصد والمستشفيات الفلسطينية الاخرى يندرج في هذا الاطار . ان ترجمة العملية لهكذا نظرة تعني بالضرورة اتخاذ قرار سياسي باعتماد مستشفيات القـدس حصرا كمقدم للخدمات الطبية لمنطقة القدس، اضافة الى اعتماد سياسة تحويلات ممنهجة وداعمة لهذه المؤسسات لكي تستطيع الصمود في وجه التحديات والحصار .
ان اي سياسة تطويرية للقطاع الطبي في غير القدس يجب ان لا تأتي كمزاحِمة او مهمـشة او منافسة لما هو موجود اصلا في القدس، بل المطلوب ان تكون هـذه التطـويرات مدعِمـة وتكامليـة وتكميلية، فالدفاع عن القدس لابد وان يمر بالضرورة عبر هكذا سياسة .
بالمقابل على المؤسسات الطبية الفلسطينية في القدس ان تستمر في تأهيل نفسها لتقديم خدمات طبية متقدمة ومتميزة وغير متوفرة في الانحاء الاخرى من الدولة الفلسطينية وللعودة الـى موضـوع ازمة المقاصد فالمعادلة بسيطة، جوهرها وجود عجز دائم في ميزانية المستشفى ناتجة في الاساس عن كون كلفة الخدمات الطبية والتعليمية المقدمة وباسعارها غير الربحية تتجاوز مداخيلـه مـن فـاتورة الخدمات المقدمة.
باختصار لا يستطيع المقاصد تغطية جميع مصاريفه التشغيلية والادارية والتعليميـة والرواتب من خلال ما يتم تحصيله من فاتورة المرضى . اضافة الى ذلك فان هذا العجز يزداد بحكم كون الفاتورة الدفترية المستحقة للمقاصد ليـست بقيمة الفاتورة المحصلة، فهنالك ديون شخصية غير مسددة من قبل المرضى وهي فعليا بحكم المعدومة وتقدر بنحو عشرين مليون دولار، فالأوضاع المالية المتردية لقطاعات كبيرة من المستفيدين من خدمات المقاصد لا تؤهلهم لسداد هذه الديون المتراكمة .
ان التأخر في التسديد الشهري لفاتورة الخدمات من قبـل وزارة الـصحة (المـشغل الاسـاس للمستشفى) يؤدي الى اضطراب مستمر في سلم مدفوعات المقاصد مما يؤدي الى تراكم هـذا العجـز الدائم، والذي بتراكمه قد ادى الى تفاقم الازمة باضطراد وهو ما دفع المستشفى الى الاقتـراض مـن البنوك الفلسطينية وما يعنيه ذلك من اضافة أعباء فوائد الديون على فاتورة المستشفى م، ا فاقم من هذه الأزمة تراكميا بحيث وصلنا الى مرحلة أضحت خدمة الدين العام من البنوك تاكل ما تبقى من المساحة الضيقة لوقف التدهور هذا ما للمقاصد، اما ما عليه فالقائمة ايضا طويلة، ولكنها في كل الأحوال اقصر بكثير من قائمة ما له .
فلا يمكن لنا ان نخفف من العجز المالي المستديم والمتنامي بإضطراد بدون الاقتراب من تحسين الأداء الإداري للمستشفى ، والتعامل مع التضخم الوظيفي من خلال اعادة هيكلة الكادر العامل وتأهيلـه المستمر وما قد يعنيه ذلك من التفكير بتخفيض عدد العاملين في المستشفى الى المستوى الفاعل بحيث لا يكون هنالك بطالة مقنعة تضيف ثقلها الى العجز القائم . ٦ لكن هذا التخفيف من التضخم الوظيفي لا يمكن باي حال من الأحوال ان يعني وقف التوظيـف بشكل مطلق وخاصة فيما يتعلق بضرورات استجلاب قدرات جديدة وفي كل المجالات الطبيـة والفنيـة والإدارية. بدون هذا التغيير الوظيفي الهيكلي سيبقى الطريق مسدودا امام المقاصد للخروج من الازمة .
وفي هذا الاطار لابد من الاقتراب من توفير مستحقات نهاية الخدمة للموظفين وخاصـة كبـار السن ممن دخلوا في مرحلة سني التقاعد لاتاحة الفرصة لتجديد الكادر العامل وتقليص عدد العـاملين وعلى جميع المستويات . ان اعتماد هكذا سياسة تتطلب توفير ميزانيات وابتداع وسائل عملية كثر الحديث عنها في الاونة الاخيرة وبدون تنفيذ . ولابد من فتح ملف تسعيرة الخدمات المقدمة وبالتوافق مع مشتري الخدمة وخاصة فـي وزارة الصحة الفلسطينية .
ان اعادة تشكيل البنية الهيكلية للمستشفى تتطلب حرية حركة ادارية في اطار خطة استراتيجية شاملة للتطوير باكتساب تقنيات وطرائق جديدة ومجربة واعتماد سياسة تطويرية للكوادر الطبية والفنية والادارية قصيرة وطويلة الام د مستشفى المقاصد مشروع وطني بامتياز ولا يمكن التعاطي معه حصرا باعتباره مقدما للخدمة الطبية فقط فهو صرح طبي – جامعي – علمي مولد للقدرات العلميـة ومـشغل للقوى العاملة العالية التأهيل وهو في نهاية المطاف واحد من اهم المؤسسات المقدسية التـي تجـسد الوجود الفلسطيني في عاصمة الدولة ونهاية فإنني اعتقد، والى جانبي الكثيرون، ان أزمـة المقاصـد تكمن أساسا في كلفة فاتورة طبيعته الخدماتية التعليمية فهو وان عدل من اسعار خدماته وحسن مـن اداء إدارته وسيطر على موارده المالية، وقلص من إعداد العاملين فيه ، فهو لن يستطيع تغطية جميـع نفقاته التشغيلية والتطويرية وسيكون في عجز دائم يتطلب ان يغطى بشكل مستمر ، والا فانه سـيتحول الى عجز متفاقم والى ازمة خانقة، وهذا ما نحن فيه الان.
ان استمرار الأزمة تعني تراجع المقاصد عن الدور التعليمي الطبي الذي يقوم فيه باتجاه انهياره التام. هنالك حلول سحرية وهذا من وجهة نظري ليس وهما، وهنالك ازمة موجودة تتطلب التعامـل معها في اطار من التفاهم مع رأس الهرم السياسي الفلسطيني الذي من مهامه ان يحفظ لهذه المؤسسة دورها وللقدس مؤسساتها انها ازمة خيارات سياسية بامتياز، وبصراحة متناهية، فاما ان يتم التـدخل الفوري الداعم، والا فان كل الكلام عن القدس ومؤسساتها كعاصمة ابدية لدولة فلسطين القادمة تصبح من الاحلام. >